التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مولاي أحمد الغازي



 جزء من قصة "صراع من أجل الحياة:


مولاي أحمد الغازي :

جُرّ إلى الميدان كأنه قربان.. فُكّ قيده، وانصرف الحرس الأربعة الأشداء، صفق الجمهور واشتعل حماسا..

تحامل على ركبتيه، استطاع الوقوف بعد جهد جهيد. ازداد حماس المتفرجين، انطلق الهتاف والصفير.. "مولاي.. موولاي!"

 هذا اليوم.. أُحضِر مولاي أحمد الغازي إلى ساحة هذه المدينة، بعد إطلاق سراحه من السجن المركزي. في هذه اللحظات، أحس الرّجل بنشوة عظيمة وبمزيج من الفخر والأمل!  وما إن بدأ الكلام؛ حتى عمّ الهدوء المكان.

كيف تمكن هذا الرجل من أن يصبح بطلا لايقهر و في فترة وجيزة؟!

لقد فاق هرقلَ في شهرته، وأصبحت له منزلة خاصة لدى كل رواد هذه الساحة!!

مولاي محمد الغازي.. كهل قوي البنية، ذو لحية خفيفة يشوبها بياض. يحب أن يلف رأسه في عمامة زرقاء، ويلبس جلبابا صوفيا بني اللون.
مايميزه أيضا.. هو نبرة صوته الجهورية الهادئة و سحنته القمحية، وحركاته الموزونة الثقيلة، التي تنم عن إصرار وثقة كبيرين.

ومنذ أن ألقي القبض عليه بتهمة الإرهاب رفقة متهمين آخرين.. وهم أبو علي الوهراني الجزائري، ومحمود فتحي الصعيدي المصري ؛ فقد وُضع مولاي أحمد تحت مراقبة مشددة أينما حل وارتحل، داخل مرافق السجن وخارجه، خاصة في الآونة الأخيرة، بعد تمتعه بسراح مؤقت لمدة ثلاثة أشهر مع المنع من مغادرة التراب الوطني بشكل نهائي.

هذه الأيام، يحلو له أن يقضي بعض الوقت في إحدى ساحات مراكش الحمراء، يشاهد الناس، ويشاركهم بعض حكاياته الغريبة، كغيره من الحكواتيين الذين تحتضنهم هذه المدينة العتيقة.. ولكن هذا الرجل صعد نجمه في ظرف وجيز جدا واحتل مكانة في قلوب جمهوره، بالرغم من أن الكثيرين لايعرفون أصله ولا نسبه الحقيقي.. فكل مايذكره لهم أنه مغربي أبا عن جد، من أصول عربية أمازيغية مختلطة، و يذكر أيضا أنه زار العديد من البلدان والأقاليم خاصة العربية والإفريقية، حتى أن البعض صار يطلق عليه لقب "ابن بطوطة".

ولكن في بعض الأحيان، يحس الغازي وكأنه غريب عن الناس وعن الوطن.
 كان ذلك بسبب ما لُفّق له من تهم ثقيلة مختلفة.. كالإرهاب، وتهديد حياة الآخرين والمسّ بالنظام العام.

في الواقع، كان ذلك الرجل غارقا في بحر من الحيرة والأفكار المتناقضة.. لكنه رغم ذلك، مافتئ ينظر الى المستقبل بعين الأمل. خاصة أنه صار محبوبا من طرف جمهور عريض من الناس، خاصة من الذين ينبهرون بخياله الواسع، و معرفته الكبيرة بعادات وتاريخ الكثير من الشعوب و الحضارات البائدة، زيادة على معرفته الدقيقة بعلوم نادرة برع فيها الأولون.. فضلا عن إلمامه بثقافة العصر.

الحق أن كل من احتكّ به يعترف أنه ذو شخصية مرحة محبوبة جدا، مثقفة ومتوازنة تجمع بين الأصالة والمعاصرة.. رغم أنه يبدو من الوهلة الأولى غامضا، شبيها بأحد المنتسبين إلى إحدى الجماعات أو الطوائف الأصولية المتشددة، وربما قبض عليه وسجن ثم أطلق سراحه مرات ومرات بسبب هذا الأمر!

((- ياترى ما الذنب الذي اقترفته حتى أعامل بهذه الطريقة؟!  لقد ذقت من صنوف العذاب مالا يطاق، وتلقيت من الإهانة و التحقير الكثير..
 كم ضُربت، وكم شُتمت، ونُكّل بي. كل هذا صونا لحريتي و كرامتي، وفي سبيل ديني و وطني! فهل كل من يطالب بحقوقه ويدافع عن الضعفاء والمقهورين من أمثالي يعتبر مجرما؟!  وهل كل من يسعى للعيش في كرامة، إرهابي؟! متخلف، مارق، وقليل أدب؟!))
 تلك كلها أسئلة وأفكار تراود مولاي احمد باستمرار، وذاك حوار داخلي يعيشه بشكل يومي مع نفسه، عله يجد إجابة شافية ومقنعة، أفكار غريبة ومتناقضة تباغته فجأة دونما استئذان..
 وعلى سبيل المثال، كثيرا ما يتساءل: ماهو أهم شيء يميز الإنسان عن باقي المخلوقات؟! أهو العقل وحده؟ وإذا كان العقل هو مايميز البشر، فلماذا يصبح الإنسان سافلا أحيانا في ساوكه وأخلاقه؟!
ويتساءل: مالفرق بين العربي والعجمي؟! وبين الإفريقي والأروبي؟!
مالفرق بين المؤمن والملحد؟! وبين العالم والجاهل؟! مالفرق بين الخير والشر؟!
 مالفرق بين.. وبين..؟!


ما إن انتهت حلقة اليوم في الساحة المعهودة، حتى بدأ الرواد والزوار في الانصراف. لقد كان مولاي الغازي آخر من ينفض عنه الجمع، بعد إمطاره بوابل من الدراهم، إكراما له وعشقا لحكاياته التي تشحنهم كل يوم بجرعات من الغبطة والحيوية، وبمزيج من الغرابة والإعجاب.. مشهد يتكرر كل يوم تقريبا، حيث تنتهي الحلقة بعد الأصيل أو تمتد إلى قبيل المغرب.. فيجلس هذا الرجل قليلا يتأمل أمامه، مصغيا إلى ضحكات الأطفال وصراخ الباعة ثم يجمع أغراضه بعد ذلك لينصرف إلى مسكنه في حي قريب بعد أداء صلاته في الجامع القريب.

بعد عودته من الساحة المعهودة؛ توجه مولاي أحمد إلى مقهى"سي اسعيد" المتواضع ليتناول وجبته المفضلة المكونة من حساء البقدونس ثم يحتسي بعد ذلك فنجانا من القهوة المعطرة بالقرفة والإبزار..

وبعد ساعتين تقريبا، رجع إلى الدار..
قرأ جزءا من القرآن الكريم كعادته، ثم تمدد ليأخذ قسطا من الراحة. الشوارع أصبحت -الآن- شبه خالية.. لا تكاد تسمع إلا صوت سيارة تمر بين الفينة والأخرى، أو بعض الأشخاص الذين يعودون من أعمالهم متأخرين.

لقد أخذته سنة من النوم.. هدوء يعم الغرفة، يستسلم على أنغام قصيدة تتناهى إلى مسمعه من مذياع صغير بجانبه، يستمع إليه كعادته كل مساء..
                                                                         
لم أكن أؤمن بقسوة الفراق وآلامه!
حتى رحل دون أن يخبرني بعزمه
قد غادر مؤنسي وغادر معه الفرح
إن قلبي يخفق كما خفق أول مرة
الحزن قد بدأ والعين تذرف دمعا
لقد كان يفعل كل شيء من أجلي
أتمنى لو كنت أعرف موعد رحيله
كي أبلغه امتناني وامتعاضي معا!
                                                            
 [بوجمعة الميموني] ؛ 
#صراع من أجل الحياة#



قصة: لحظة قوة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماهي التربية الدامجة وكيف يمكن تفعيلها؟

أيها الأفاضل؛   يسعدني زيارتكم لمدونة: الأستاذ بوجمعة  الميموني .☺ (موقع محبرتي) أتمنى أن يفيدكم هذا المقال البسيط نقلا عن:   مجموعة التكوين المستمر    انسجاما مع شعار السنة الدراسية 2019-2020. " من أجل مدرسة مواطنة و دامجة ". تم تنظيم مناقشة هادفة ومفيدة بالمجموعة المذكورة مع نخبة من الأساتذة الكرام والأستاذات الفاضلات، بتأطير من الأساتذة: ذ. مختار / ذ. فنيد. / ذ. نميش. وكان  كالآتي: ● ماهي التربية الدامجة وكيف يمكن تفعيلها؟   وهل هناك خيط ناظم بين التربية الدامجة والديموقراطية؟ ●  تدخّلات أعضاء المجموعة، حول مفهوم التربية الدامجة: ✒ التربية الدامجة: مفهوم كبير يهدف دمج الأطفال في وضعية إعاقة ضمن باقي فئات الأطفال العاديين في المدرسة بكيفية تسمح لهم بالنمو العادي والتعلم حسب وتيرتهم الخاصة، ولكن بشرط أن يتم دمجهم ضمن نفس البنيات مع باقي الأطفال، مع تكييف النظام التربوي بكل مكوناته لاستيعابهم وتوفير الظروف الملائمة لتعليمهم و تمكينهم من مواصلة الحياة بشكل عادي جدا مثل أقرانهم. ✒ التربية الدامجة: تهم الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة وذلك من خلال إدماجهم في ال

دعاء الصالحين

بسم الله الرحمن الرحيم.  يا الله يا الله ياالله ، يا مجيب دعوة المضطرين، يا كاشف كربة المكروبين، يا غياث المستغيثين، ويا من هو أقرب إلينا من حبل الوريد، ويا من يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، ويا من لا يخفى عليه خافية ويا من لا يبرمه إلحاح الملحين، يا من هو كل يوم في شأن. يا قاضي الحاجات، يا منفس الكربات، يا كافي المهمات؛ نسألك بعد الصلاة على سيدنا محمد وآل سيدنا محمد أن تكشف عنا الهم والغم والكرب وتكفينا أمورنا وتجيرنا من الفقر و الفاقة، وتغنينا عن المسألة إلى المخلوقين، وتكفينا هم من نخاف شره ومكره، وبغي من نخاف بغيه وكيده، وسلطان من نخاف سلطانه وجوره، وترد عنا كيد الكائدين، ومكر الماكرين.  اللهم من أراد بنا سوءا فتكفل به وامنعه عنا كيف شئت وأنى شئت؛ اللهم اضرب بالذل نصب عينيه واشغله عنا. اللهم لاتمكن الأعداء فينا ولا منا ولاتسلطهم علينا بذنوبنا.. اللهم إنا تحصنا بك ودخلنا في حرزك وحفظك ورعايتك ياذا العزة والجبروت. اللهم تقبل منا بفضلك وإحسانك وأزل حجاب الغفلة عن قلوبنا واجعلنا من عبادك الصالحين. آمين، وسلام على جميع الأنبياء والمرسلي

أدعية التحصين من الأمراض والأوبئة

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: بسم الله الرحمن الرحيم. « فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ »   (144)  الصافات. سبحان الله  العظيم، سبحان الله العظيم، سبحان الله العظيم. بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم. (ثلاث مرات). ”أَذْهِبِ البَاسَ، رَبَّ النَّاسِ، وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لا شِفَاءَ إلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا.” اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيِعِ سَخَطِكَ. ” أَعوذُ بكلِماتِ اللهِ التامَّاتِ، الَّتي لا يُجاوِزُهُنَّ بَرٌّ ولا فاجرٌ، مِن شرِّ ما خلقَ، وذرأَ، وبرأَ، ومِن شرِّ ما ينزِلُ مِن السَّماءِ، ومِن شرِّ ما يعرُجُ فيها، ومِن شرِّ ما ذرأَ في الأرضِ وبرأَ، ومِن شرِّ ما يَخرجُ مِنها، ومِن شرِّ فِتَنِ اللَّيلِ والنَّهارِ، ومِن شرِّ كلِّ طارقٍ يطرُقُ، إلَّا طارقًا يطرقُ بِخَيرٍ، يا رَحمنُ”.   اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الأ